اين الله؟

أين الله ؟؟؟!!! ...
بقلم : عابر سبيل
" يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك " ( خالق الكون والإنسان )

دخلت إلى غرفته .. خائفا .. بعد أن طرقت الباب عليه ولم يرد وأنا أعرف أنه في الداخل ...
وإذا به شاردا يتطلع إلى السقف وقد أطفأ حاسبه الشخصي .. والدموع قد رسمت على خديه خارطة السر المقدس بين الفرات والنيل
مابك يابني ؟؟
لقد تعبت يا أبي .. لقد تعبت .. !
ولم يا بني ؟؟
لقد قرأتهم كلهم .. أنت والآخر والذي بينكما والبعيد والقريب والميت والحي ... لقد تهت ..
بماذا يا بني ..
أبي الغالي ... لدي سؤال واحد فقط
تفضل يابني ..
سؤالي هو " أين الله ؟؟!!! "
..............................
ضحكت ضحكة تنم عن قلب متعب ودمعتين حائرتين وضممته إلى صدري ...
وسألته ..
من أنا يا بني ..
قال أنت أبي ...
قلت له وكيف عرفت ذلك ..
فسكت ..
ثم سألته ومن تلك المرأة الحنونة في الغرفة الأخرى ..
فصمت ولم يجب ...
قلت له أليست أمك ...
قال لا أدري ...
قلت له كيف تقول أنني أبوك ولم تجبني عن أمك ...
فابتعد عني قليلا ...
قال لا أدري ... لا أدري ... وبدأ بالصراخ ...
وساد صمت رهيب ....
وعدت واحتضنته مرة أخرى ....
ولدي الغالي ..
هل رأيت نفسك يوم التحمت بتلك البويضة وبدأت تصبح مشروع " إنسان " ؟
هل تذكر تلك النطفة وهي تسابق الزمن للوصول إلى الإلتحام الأبدي متفوقة على الملايين من النطاف الأخرى التي قضت في طريقها ووصلت أنت .. ؟
هل تذكر تلك النطفة من أي صلب خرجت .. ؟
هل تذكر تلك البويضة التي التحمت بها .. من أي أنثى كانت ؟؟؟
هل تذكر ذلك المعمل الذي قضيت فيه أشهرك التسع الأولى ... في تكوينك .. أين كان ؟؟
هل تستطيع أن تحدد الطريق الذي سلكته للخروج إلى الحياة .. والمرأة التي خرجت منها .. ؟
هل تذكر المرأة التي ألقمتك ثدييها بكل الحب والعطف والحنان ... تغذيك على أمل أن تكبر ؟
هل تذكر ذلك الرجل الذي كان يلاعبك ويضمك ويقبلك ويجعلك تدوس على ظهره ورأسه وهو فرح بك ... ؟
هل تذكرهم .... ؟؟!!
قال لا ...
قلت لماذا ....
قال لأن ذلك كان قبل الشعور وقبل الذاكرة ...
قلت وكيف عرفت أننا أهلك أمك وأباك ...
قال لأنه لايعقل أن أكون قد أتيت من الحائط أو من كيس الفحم .. ( السؤال الفطري الأول )
فقلت له صحيح ...
ولكن ربما يكون أهلك غيرنا ... ونحن وجدناك أو التقطناك أو سرقناك ...
قال هذا صحيح ...
فقلت فكيف السبيل لتعرف الحقيقة ... من أهلك ... ؟
صمت برهة ... ثم قال .. يجب أن يشهد أحد أنكما والداي ...
قلت له جميل ... إذا يجب الاعتماد على رؤى الآخرين – الموثوقين – في الأشياء التي لا يمكن أن نراها نحن ..
إذا هل نتفق على مبدأ يمكننا أن نتحاور بعده ...
قال بلى ..
المبدأ في الوصول إلى الحقيقة هو " السببية والإخبار "
قال اتفقنا ...
قلت له والآن ... أما زلت على سؤالك الأول .....
قال نعم وبإصرار ...
قلت له من والدي ووالدتي
قال جدي وجدتي
قلت ومن والداهما ...
قال أبوهما وأمهما ..
قلت ومن ؟ ومن ؟ ومن ؟ ومن ؟ ومن ؟
قال لن ننتهي وسنبقى العمر كله نتساءل ؟؟
قلت هذا بالضبط ما يريده أعداء الإنسانية منا " أن لا ننتهي " ونبقى نتساءل دون أن نعمل أو ننتج أو نتطور أو أن نصل إلى خالقنا بأسهل الطرق ...
قال كيف ..
قلت دعنا نتفق على عدد افتراضي معين تم تسلسله بنفس الطريقة ولنقف عند الإنسان الأول ..
قال موافق ..
قلت لنفترض أن السلسلة ستطول إلى مليارات الآباء والأجداد ... ولكن السبب الأول في وجود هذه السلسلة ... من هو ؟؟ ...
قال " الإنسان الاول " وهنا يختلف الجميع وتكثر النظريات والأخبار ..
قلت تماما " الإنسان الأول " .. قارن كل النظريات التي تحدثت عن الإنسان الأول .. وفق المبدأ الذي اتفقنا عليه ..." السببية والإخبار " وستجد نفسك على الطريق الصحيح ..
قال كيف ...
قلت هل يمكن أن يكون هذا الإنسان الأول قد خرج من الحائط ...
قال لا مستحيل ...
قلت كيف وجد إذا ...
قال لا أدري ...
قلت هنا تحتاج للإخبار ....
قال ولكن المخبرون كثيرون ....
قلت معك حق ...
وهنا دور العقل .. أن تحقق في كل مخبر " ما هو مصدره ؟ ومدى موثوقيته وأهدافه وغاياته .. "
وسترى نفسك أمام الحقيقة الكاملة ...
" أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُون "
.....................
قلت الآن هل تريد أن ترى الله ؟؟؟؟
قال نعم نعم ...
فأخذت بيده .. وذهبنا إلى غرفة أخرى ..
كانت تحتوي على مرآة كبيرة صافية ...
قلت أنظر في المرآة ترى الله ... " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "
قال لم أفهم ..
قلت له كيف ترى
قال عبر البصر ..
قلت وهل يمكن أن تخترع البصر ... قوة عمياء ..
فسكت ..
وهل يمكن أن تخترع السمع ... قوة صماء ..
وهل يمكن أن تخترع الكلام ... قوة خرساء ...
وهل يمكن أن تخترع العقل ... قوة حمقاء ....
فأمسك بيدي وقال اقتنعت .. اقتنعت ولكن لماذا لا يمكننا أن نراه ...
قلت له بماذا ...
قال بأعيننا ...
قلت لأنه خلق لك شيء أسمى من العين لتراه به ..
قال وما هو ؟
قلت:
إذا كان الإنسان أصما أو أبكما فهل ترتجي منه أي نوع من المعرفة ...
قال نعم نستطيع أن نستفيد من باقي الحواس في المعرفة ..
قلت إذا كان أعمى ..
قال أيضا نستفيد من باقي الحواس في تكوين المعارف ..
قلت وإذا كان بلا عقل ..
قال إذا لا فائدة من كل الحواس ..
قلت وهذا الذي يمكنك أن ترى الله به ..
" الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
.................................
عانقني ولدي وبدأت أقبله كما يوم ولادته ..
ثم قلت له ..
عد إلى دراستك يابني وفكر كيف تفيد أمتك وكيف تحقق خلافة الله في الأرض ...

والسلام
على من يحيا بسلام
ويبحث بسلام
ويناقش بسلام
ويموت حين يموت بسلام